قالوا وقلنا

ولسوف تظل تلك الأيام أحلى أيام ألعمر وأقساها رغم ألشقاء والبلاء

الأحد، 24 يناير 2016

هل الجمال نعمة أم نقمة ؟؟!!

أحداث هذه الحكاية واقعية من قلب الحياة
سأحاول أن أختصرها قدر المستطاع
نموذج للأمومة الحقيقية وأصدق معاني التضحية والإيثار
لم أجد عنوان يُليق بها 
غير ..:

رابط دائم للصورة المُضمّنة

هل الجمال نعمة أم نقمة ؟؟!!




كان في مصعد البناية ... صدفة جمعتني بها .. 
سيدة عربية مسلمة عرفتني على نفسها أسمها ( ندى ) تقيم في الدور الثامن
جارتي الجديدة ... دعتني الى فنجان قهوة ... ( قهوة تعارف )

وفي عصر اليوم التالي طرقت بابها ... فتحت لي هللت لحضوري أستقبلتني بوجهٍ بشوش ، جلسنا في شرفة شقتها المطلة على النهر .... مع فنجان القهوة يحلو الكلام 
... كانت في منتهى الذوق والأدب والوضوح ..إنسانة دمثة الخلق ..حلوة المعشر واللسان ، شعرت من أول زيارتي لها وكأني أعرفها مذ سنين .. 
غادرت بلدها لغرض إكمال دراستها التخصصية في مجال الطب ...
تكلمنا كثيراً لم نترك شيء ... راق لي أسلوبها في الحديث وثقافتها وأفكارها الرائعة .. أكثر ما لفت إنتباهي سحابة الحزن التي تغلف ملامحها !! ...
سألتها عن عائلتها.. لم تُجيبني ... سرحت لبعيد وأغرورقت عيناها بالدموع 
... شعرت بالحرج .!! قلت لها.. أعذريني أخية أن كان سؤالي قَلبَ عليكِ المواجع !! 
أنا آسفة جداً أسحب السؤال ... قالت لاعليكِ أختاه أرجوكِ لا تعتذري الموضوع
وما فيه تذكرت والدتي رحمة الله عليها وتذكرت أخوتي .. 
هذه المرة الأولى التي نفترق وأبتعد عنهم .... أفتقدهم جداً..
تساقطت دموعها بغزارة.. حاولت أن أخفف عنها ناولتها كأساً من الماء هدأت ،


بدأت في سرد حكايتها ...

قالت .... كنا عائلة جميلة بنتان وولد .. أنا البنت البكر ومن بعدي تأتي 
(منى ) تصغرني بعامين و(هشام) آخر العنقود ،
والدي سامحه الله .. حفر في قلوبنا ذكريات مرة ..حرقنا كل الصور التي تجمعنا به.
.. لكن الصور الموشومة في ذاكرتنا أبت أن تغادرنا رغم مرور السنين
.. كان رجل قاسي جداً غليظ القلب لم يُشعرنا بعطف الأبوه ...
لا أتذكر يوماً أنه ضحك في وجوهنا أو لعب معنا كما يفعل باقي الآباء...!! 
كان وجوده في البيت خانق .. لا كلام ولا حركة ..
نتكلم مع بعضنا بالهمس والاشارة... كانت أنفاسنا محسوبة وحركاتنا محسوبة.. 
كنا نظل مسجونين في غرفنا طيلة اليوم الى أن يغادر المنزل .. 
أما والدتي عكسه تماماً.. كرست جل وقتها لراحتنا وسعادتنا تحاول ملئ الفراغ 
الذي أحدثه والدنا الحاضر الغائب !! ..
لم تكن تشعرنا بأي نقص أو إحتياج لأي شيء ...
كانت ينبوع حنان فياض .. تغمرنا بعطفها ودفئ حضنها .. 
تشاركنا في حل مشاكلنا تساعدنا في تحضير واجباتنا المدرسية ..
تشرف على كل كبيرة وصغيرة بنفسها .... 


كانت تحب الحياة مرحة متفائلة كريمة .. تتفقد المحتاجين والفقراء وتساعدهم 
... كانوا يضربوا فيها المثل في نُبل الأخلاق ومواقفها العظيمة 
ويدها البيضاء المعطاء ..
أمي سيدة محترمة ومحبوبة من الجميع .. أينما ذهبت تترك 
وراءها إنطباع رائع وجميل ...
والدي كان يعاني من أمراض نفسية وعُقد مزمنة وعدم ثقة بالنفس دائما ً 
كان ينتقدها ويستخف بها ويستهزء من أي عمل تقوم به كان يغار منها لأنها دخلت قلوب الناس بعفويتها وطيبتها وحسن تعاملها معهم .. 
عكسه تماماً كان متجهم لايعجبه العجب سريع الغضب لاتعرف الابتسامة 
طريقها الى سحنته .. قليل الكلام كثير الانتقاد !! 

الذي لفت إنتباهي لها أثناء حديثها عن والدها تقطب جبينها وتحتد تتكلم عنه بعصبية !! 
أما حينما تنتقل للحديث عن والدتها كانت تبتسم إبتسامة رقيقة حالمة 
تنبسط أساريرها وكأنها تقول فيها شعر حب وغزل ..

" تقول ... أتذكرعندما كنت طفلة صغيرة كم كنت فخورة بأمي وهي تمسكني
من يدي ونسير جنباً الى جنب كانت كالطاووس أناقة وجمال وحضور، 
كانت تراعي الذوق والأناقة والإحتشام في لباسها .. 
كنت أشعر كأني أسير جنب ملكة .. وعندما كانت تأتي الى المدرسة كنت 
أسمع كلمات الإطراء والمديح من المدرسات كنت أشعر بسعادة 
لا توصف لأن هذه الملكة هي أمي أنا .. ... .... 

لم أكن أُدرك سبب غضب والدي وثورته الدائمة !!! 
وكذلك سبب ملاحقته لنا حينما نخرج من المنزل للتسوق أو لزيارة بعض الأقارب والأصدقاء حتى عندما تصطحبتنا لزيارة جدي رحمة الله عليه
...! كنت أستغرب من تصرفه وأسألها لِما أبي يتبعنا في كل مكان نذهب اليه ... ؟! 
كانت تجيبني بهدوئ لأنه يحبنا كثيراً ويخشى علينا 
من التعرض للأذى من ناسٍ أغراب !!! كنت أصدقها لصغير سني وعدم إدراكي .. 

لن أنسى اليوم الأخير قبل أن تهرب بنا الى بيت جدي دون رجعة ... 
كيف كان شكله مازالت صوره مطبوعة في ذاكرتي..!
كان مرعب مخيف هائج يصرخ بصوت عالي يزلزل جدران البيت 
يكسّرالأغراض وأمي المسكينة ترتعد من الخوف تبكي وتتوسل إليه أن لا يؤذيها .. 
أدخلتنا في الغرفة وأغلقت علينا الباب كي لا نشاهده على هذه الحالة المرعبة 
...كنت صغيرة لم أكن أعي سبب هذه الثورة والهيجان ،
أنتقلنا الى بيت جدي وأنقطعت أخبار والدي ،
كنتُ كلما أسألها عنه كانت ترد عليّ بمرارة .. حسبي الله فيه .. 
لقد ظلمني كثيراً !! لم أكن أدرك سبب بكاءها المستمر كنت كلما نظرت الى عيناها الجميلتان أرى بقايا دموع عالقة في أهدابها ،


وحين كبرتُ أدركتُ أن أمي المسكينة لم تكن سعيدة مع والدي بسبب غيرته المفرطة ، يغارعليها حتى من خيالها !! 
عقله المريض كان يصور له أشياء غير موجوده أمي المسكينة بريئة منها كـ
(براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام) لهذا السبب كان يلاحقها في كل مكان... 
طلقها في ريعان شبابها " كل ذنبها أنها جميلة "...
تقدم لخطبتها علية القوم رجال ميسورين جاه ومال ومراكز مرموقة
كانت ترفض بشدة حرصاً على مشاعرنا لأنها لا تريد 
أن يشاركنا حياتنا رجل غريب ...
كانت أم فاضلة بمعنى الكلمة .. كرست كل حياتها لرعايتنا وتربيتنا والإهتمام بنا ... 
ربتنا تربية إسلامية صحيحة ... أهتمت بتعليمنا ودراستنا .... 
كبرنا وكبرت أمي الحبيبة ، أكملت رسالتها على أتم وجه .. 
كانت تتمنى أن ترى ثمرة تعبها ومجهودها وتفرح بتخرجنا من الجامعة وبزواجنا ...
لكن مرض لم يمهلها هجم عليها السرطان اللعين كان لها بالمرصاد ..
ظلت تعاني منه قرابة سنة ونص دخلت في دوامة العلاج الكيمياوي
والتنقل بين المستشفيات الى أن أنهارت صحتها وفارقت الحياة ..........
ربنا يرحمها ويسكن روحها الطاهرة الجنان الأعلى ..


صدمة موتها كانت أكبر فاجعة ألمت بنا ... لم نكن نتخيل حياتنا بدونها ...
لأنها كانت هي الحياة .... تركتنا ورحلت وبفقدها فقدنا كل شيء .... 
فقدنا الصدر الحنون ..... فقدنا السند والجدار... تركتنا بجسدها لكن روحها ظلت ترافقنا
.... كنا نراها في كل موقف جميل وفي كل إنجاز ونجاح نحققه ....
مرت السنين أكملنا تعليمنا الجامعي بتفوق وإمتياز .. بفضل من الله وجهود جدي
رحمة الله عليه ... لأنه وعد أمي قبل أن تتوفى سوف يكمل مسيرتها 
حتى آخر يوم في عمرهِ .. كان حريص وحنون لابعد حد يحاول أن يملئ الفراغ
الذي تركته أمي الحبيبة.. ... وفقنا الله ورزقنا أنا وأختي 
(منى) بأزواج صالحين 
.. بقي أخي هشام يسكن مع جدي..توفى جدي رحمة الله عليه 
... وبعد سنة من وفاته تزوج أخي هشام ..
كنا نلتقي كل يوم جمعة في بيت جدي نعيد ذكريات الزمن الجميل 
.. مازالوا أخواني متمسكين بهذه العادة يجتمعون في بيت جدي أسبوعياً حتى
بعد مغادرتي أرض الوطن.. أحن لتلك اللمة الجميلة أحن لزيارة قبر أمي وجدي 
...ربنا يرحمهما ويغفر لهما


تصلنا أخبار عن والدي ،، علمنا أنه سافر لمكان بعيد وتزوج ورزق أولاد وبنات 
، قطع إتصاله بنا نهائياً ، سألتها وهل تتمني لقاءه والأطمئنان عليه أجابت 
بحزن لا أعتقد ... أنه خرج من قلوبنا منذ لحظة خروجنا من منزله.
. كسرنا ونحن أطفال وظلم أمنا المسكينة... تخلى عنا في عز احتياجنا له ..
أجمني جوابها وتألمت !! قلت لها أنتِ إنسانة مؤمنة يجب أن تتواصلي معه أنه 
والدك يجب أن تبريه هذا واجب عليكِ وعلى أخوتكِ ..
لاتنسي أن الله سبحانه وتعالى أوصانا (وبالوالدين إحساناً ) 
ورسولنا الحبيب صل الله عليه وسلم أوصانا ببر الوالدين .... لم تجيبني ....
لربما يأتي يوم تلتئم فيه الجروح !!

أجهشت في البكاء وأبكتني معها ... 

قالت كم أتمنى تقبيل عيناكِ ياأمي أشتقت إليكِ كم كنتِ عظيمة...
رحمكِ الله وغفر لكِ وأسكنكِ فسيح جناته
هكذا أنهت ندى قصتها بهذا الدعاء الجميل ... 
وأخيراً أكتشفت السر وراء السحابة الحزينة التي تغلف وجهها الجميل ،


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق